أغراني العنوان بكتابة النص.

كالعادة تحضرني العناوين قبل المنازل فأقول إن هذا العنوان يستحق بيتًا محترمًا فأبنيه في خاطري وأتخيّله وقد فاز بالبوكر والبوكرين والجائزة العربية وشقيقاتها، فتعتمدها الجامعة العربية شعارًا للمرحلة وتوصي بترجمتها إلى الكورية الجنوبية وبقية اللغات الحية والميتة.



عادة أرتّب حبكة معقولة وصورًا محترمة وأقول (في خاطري طبعًا)  “this is a winner!” هذه المرة ليست عندي قصة ولا يحزنون. هي فقط ما في العنوان: سارق الورد لا أقل ولا أكثر، أو بالأحرى سارق صور الورد التي دأبت على التقاطها من محل الورد المتكئ على موقف الباص جنب المحطة. أخجل من نفسي أحيانًا فأقول "عيب عليك، اشتر من الرجل بدل أن تصور ورده"، فأخجل أكثر من أن أحمل وردًا دون موعد ولا حبيب.

لكن البائع يهش لنا ويبتسم كلما لقيناه حتى في أماكن أخرى فأقول أين رأيته؟ وبعد جهد قد أتذكر محل الورد والمحطة التي يعرفها وتعرفه قبلنا ومعنا وبعد رحيلنا؛ أتذكر كيف يغفل عنه الحراس المتجهمون حين يدخل لتعبئة سطل ماء ينعش به القرنفلات والزنابق المتعبة، فهو زميل مهنة نوعًا ما.

قبل أعوام قليلة سكن معظمنا هذا الحي الأثيري عند مقدمنا إلى إسطنبول وكان هذا العمّ يفرح لرؤيتنا لكثرة ما كنا نشتري منه من حزمات الزهور لمناسبة ودونها فرحًا بالحياة وتأثرًا بثقافة المكان، فسكان هذه المدينة يشترون الورد كما يشتري أهلنا ربطات المعدنوس والكرفس. أهْونُ عليّ أن أتخيل عمّي يجرّ فرس النهر من أذنيه إلى داره من أن يجلب وردة واحدة إلى زوجته. إيوه صافي!

نعم، نحن نحب الورد أيضًا ولكن لا ننصب له في كل زاوية براكة. كثرة النصبات تدل على الحاجة المُلحّة. أقرب شئ إلى الورد عندنا في المغرب هو النعناع حيث في كل زاوية دكّان أو بائع مستقر أو متجول. لو خيّر المغاربة في تصميم جنتهم لكانت محاطة بشجيرات النعناع العبدي تتخللها حدائق نعناع مكناسي تتوسطها عرصات نعناع فلّيوي… أما بقية البشر فيحبون الورود.

الآن بعد أن رحل جلّ أصدقاء تبة أولوس فلم تعد للورد نفس الخفة ولا براءة البدايات، وما زلت أسرق صور الورد.