في المشهد المعقد للظواهر النفسية المرتبطة بالسفر، تحتل متلازمة القدس مكانة فريدة، مظهرة التأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه زيارة مدينة غنية بالتاريخ والروحانية على العقل البشري. هذا الاضطراب، الذي لم يتم الاعتراف به رسميًا في دليل التشخيصات النفسية، يتجلى من خلال نوبات ذهانية حادة، تتميز بموضوع ديني مكثف، لدى أفراد كانوا متوازنين حتى زيارتهم للمدينة المقدسة. تؤثر هذه المتلازمة على اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء، متجاوزة الانقسامات الدينية والثقافية.

تعود قصة متلازمة القدس إلى روايات الحج في العصور الوسطى، لكن الوصف السريري الأول لها كان في الثلاثينيات من القرن الماضي على يد الطبيب النفسي هاينز هيرمان، الذي لاحظ سلوكيات الهستيريا المرتبطة بالمدينة. على عكس ظواهر مماثلة، مثل متلازمة ستندال في فلورنسا أو متلازمة باريس، تتميز متلازمة القدس بخصوصيتها الدينية، حيث تدفع بعض الزوار إلى التعرف على شخصيات كتابية أو القيام بمهام مسيانية.

أجريت أبحاث في بداية الألفية الجديدة بواسطة بار-إل وآخرون في محاولة لتحديد تصنيف دقيق لهذه المتلازمة، مميزين بين الحالات التي تضاف إلى مرض نفسي موجود مسبقًا وتلك التي تبدو وكأنها تنشأ من العدم لدى أشخاص بدون تاريخ مرضي. ومع ذلك، تظل هذه التصنيفات مثار جدل، حيث يرفض كاليان وويتزتوم فكرة وجود متلازمة القدس كظاهرة مستقلة ويؤكدان على وجود اضطرابات مسبقة لدى معظم السياح المعنيين.

على الرغم من هذه النقاشات، لا شك في أن متلازمة القدس قد تركت بصمتها في الثقافة الشعبية، ملهمةً مسرحيات وحلقات من مسلسلات تلفزيونية وأغاني وأفلام، ومعكسةً الفضول الجماعي حول قدرة الأماكن المليئة بالتاريخ والروحانية على التأثير في العقل البشري.

خلال ثلاثة عشر عامًا من الدراسة التي أجريت بواسطة مركز كفار شاؤول للصحة العقلية في القدس، تم تحويل حوالي 1200 سائح يعانون من مشاكل عقلية شديدة مرتبطة بموضوع القدس إلى هذه العيادة، واحتاج 470 منهم إلى الاستشفاء. هذا العدد، على الرغم من أنه يمثل أقلية من بين ملايين الزوار السنويين للمدينة، يؤكد وجود هذه الظاهرة، حتى لو استمر الجدل حول حجمها الدقيق وطبيعتها في الوسط العلمي.